كليمان مارو من شعراء البلاط. عاش في كنف فرنسوا الأول وأخته مرغريت وكان شعره من النوع السطحّي الخفيف المستوحى من الظروف والمناسبات عاش حياة يسرٍ وهناءة تخللتها منغّصات، فسجن مرات ونفي وفقد أمواله. وكان في كل مرة يلتمس من سادته وأصدقائه العون المادي والمعنويّ.
وقد أرسل القصيدة الآتية من السجن إلى صديق له ليسعى في فكاكه.
إلى ليون جاميه L. Jamet( )
.. أودّ أن أقُصّ عليك حكاية جميلة،
عن الأسد والجرذ:
كان ذلك الأسد أقوى من خنزير عجوز،
ومرةً وجد جرذاً حبيساً في مَصْيدة، عاجزاً عن الخروج،
لكثرة ما التهم من الشحم واللحم
ولم يكن ذلك الأسد وغداً
فقد وجد وسيلةً وطريقة لإنقاذه
بمخالبه وأنيابه حطّم المصيدة،
فانطلق الجرذ مسرعاً،
وركع أمامه باحترام وحياه برفع قبّعته،
شاكراً ألفَ مرة لذلك الحيوان الكبير،
وأقسمَ بربّ الفئران والجرذان
أن يردّ له الجميل!
ومرةً خرج الأسد من عرينه ليبحث عن فريسة،
ولسوء حظه وقع في مَصيدة
وألفى نفسه مقيداً إلى حجر راسخ
وفي الحال وافى الجرذُ فرحاً ومندهشاً،
لا مقْطعةَ معه ولا سكّين
فلم يسخر منه ولا شمت به،
بل شتم القطط والقطّات والقطيْطات
واثنى على الجرذان والجرذات والجريذات
ووجد الفرصة المناسبة لذلك الأسد المنكوب
قال: صهْ أيها الأسد المقيّد فالآن أنقذك
إنك تستحق مني هذا الجميل، لأني عرفت قلبك الطيب،
حين خلصتني وأنجدتني بشهامتك الأسديّة،
والآن سأنجدك بشهامتي الجرذية..
***
فتح الأسد عينيه وأجالهما نحو الجرذ قائلاً:
يا آكل الحشرات المسكين،
ليس في وسعك حيلة،
ما لديك موسى ولا سكين،
لتقطع أي حبل أو حُبيلة،
فتطلقني من هذا الأسر
خيرٌ لك أن تختبئ
حتى لا يراك الهرّ
***
قال سليل الفئران: سيدي العظيم!
حقاً إني ابتسم من كلامك هذا
لا تقلق لأن لي كثيراً من السكاكين!
إنّ أسناني العظيمة البيضاء الجميلة
أشد قطعاً من المناشير
غمدها لثتي وفمي
وبها أستطيع في الحال،
قَطْعَ ما يكبلك من الحبال!
وبدأ السيد جرذ بالقضم
ولما انتهى انطلق الأسد الأسير،
قائلاً في نفسه: حقاً لا يضيع الجميل،
حيثما صُنِع وأنّى زُرع"
***
هذه هي الحكاية بنظمها البديع
إنها قصة طويلة وقديمة
شهدها إيسوب وأكثر من مليون من الناس
فتعال لتراني وتفعل مثل ذلك الأسد
وسأبذل جهدي في فكري واجتهادي،
لأكون حافظاً للجميل مثل ذلك الجرذ!
وأنا أعلم أن الله أعطاك كثيراً من المزايا
لم يمنحها ذلك الأسد العظيم..
تعليق:
يلاحظ في هذه القصيدة السهولة والوضوح والإمتاع، والاغتراف من أمثال اليونان والترتيب المنطقي في العرض والنتيجة. كما أن النص الأصلي بلغته الفرنسية يتميز بوجود بعض الكلمات اللاتينية والمدلولات القديمة والزخرفة اللفظية البديعة وجمال الإيقاع الموسيقي.