في كتاب لجبران خليل جبران اسمه (دمعة وابتسامة)أعجبتني جداً هذه القصة،فأحببت أن اكتبها وآخذ رأيكم بها.
مدينة الماضي
وقفت بي الحياة على سفح جبل الشباب وأومأت إلى الوراء.
فنظرت،فإذا بمدينة غريبة الشكل والرسوم متربّعة في صدر سهول تتمّوج فيها الأخيلة والأبخرة المتلونّة متوحشة بقناع ضباب لطيف يكاد يحجبها.
قلت:ما هذه أيتّها الحياة؟قالت:هي مدينة الماضي فتأمّل!
فتأمّلت ورأيت.
معاهد أعمال جالسة كالجبابرة تحت أجنحة النوم.مساجد أقوال تحوم حولها أرواح صارخة صراخ القنوط،مترنّمة ترنيمة الأمل.
هياكل أديان أقامها اليقين ثمَّ هدمها الشك.مآذن أفكار مرتفعة نحو العلو كأنّها أيدي المتسولين.شوارع ميول منبسطة انبساط النهر بين الرُّبى.مخازن أسرار حرسها الكتمان فسرقتها لصوص الاستعلام.
أبراج أقدام بنتها الشجاعة فثلّتها المخاوف.صروح أحلام زينتها الليالي وخربتها اليقظة.أكواخ صغار سكنها الضعف،وجوامع وحدة قام فيها نكران الذات.نوادي معارف أنارها العقل فأظلمها الجهل.حانات محبّة سكر بها العشاق فاستهزأ بهم الخلو.مسارح أعمار مثّلت عليها الحياة رواياتها ثمَّ جاء الموت وختم مأساته.
تلك مدينة الماضي فهي بعيدة قريبة،منظورة محجوبة.
ومشت الحياة أمامي وقالت:اتبعني فقد طال بنا الوقوف.قلت:إلى أين أيّتها الحياة؟قالت:إلى مدينة المستقبل.قلت:رفقاً فقد نهكني المسير وكلمت قدميَّ الصخور وهدَّت قواي العقبات.
قالت:سر فالوقوف جبانة والنظر إلى مدينة الماضي جهالة.
(هذا ما رآه جبران خليل جبران حينما نظر إلى الماضي.
لكن أريد أنا أطلب من كل واحد يقرأ هذه القصة أن يقف لحظة واحدة،وينظر إلى الماضي قليلا.
فهّلا يقول لنا ماذا يرى؟وماذا يشعر تجاه ما يراه؟؟)